جمال الخطيب ، باحث
رئيس مركز البديل للدراسات
مدخل :
حركة اليسار في العالم وعبر التاريخ انحازت دوما للكادحين والمظلومين ، وبهذا المعنى أخذت المنظمات والحركات والأحزاب اليسارية طابعا أمميا.
وفي هذا السياق، جاء الفكر الماركسي في أواسط القرن التاسع عشر ليصوغ في فلسفته المادية التاريخية الجدلية برنامجا منسجما فلسفيا ومعرفيا وسياسيا لإدارة صراع الطبقة العاملة مع الرأسمالية الناهضة، وبتبني المدرسة اللينينية للفكر الماركسي وصل البلاشفة إلى السلطة في روسيا القيصرية الإقطاعية المتخلفة.
وورثت الستالينية القمعية القاسية الفظة المغرقة في شموليتها لينين، مرورا بمرحلة خروتشوف الإصلاحية، وقبيل الوداع، مرحلة بريجنيف، التي أتى غورباتشوف بعدها ليطلق رصاصة الرحمة على التجربة كلها.
ولأن اليسار العربي واليسار العربي الماركسي اللينيني على وجه الخصوص كان بشكل أو بآخر وليد تلك المعادلة منذ صيغتها اللينينية والستالينية، اقتحم “الاتحاد السوفيتي ” آيديولوجيا وعقول وقلوب اليساريين العرب في جناحهم الشيوعي على الأخصّ، واضطرت قوى ذات تاريخ للانصياع لرغبة الباب العالي الجديد في موسكو بفعل هذا الضغط الفكري والسياسي المباشر وغير المباشر لتبدأ عمليات مصادرة التفكير الحر المبدع.
إن هذه المقدمة ليست تنظيرا خارجا عن الموضوع لان هذا لا يعني أن هناك قوى يسارية أو ذات ملامح يسارية أخرى خارجة عن التصنيف اليساري.
اليسار الأردني
ينحدر اليسار الأردني من رافدين رئيسيين هما: الحركة الشيوعية الأردنية، وعنوانها الأبرز “الحزب الشيوعي الأردني” وما نتج وانشق عنه من أحزاب.
ومن القوى التي ولدت من رحم حركة القوميين العرب، وبالأساس من الجبهتين، الشعبية والديمقراطية (حزب الوحدة الشعبية وحزب الشعب الديمقراطي – حشد، والاتجاه الذي انشق عنه بالتوازي مع انشقاق حركة فدا عن الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين) بالإضافة إلى عدد من القوى اليسارية المحلية ذات الأصول الفصائلية الفلسطينية
ان في محطات الاتحاد والانفصال بين الحركات اليسارية الفلسطينية والأردنية مثال بارز على اختلال صياغة اليسار الأردني للعلاقة بين البرنامج الوطني-المحلي، الذي يتصدّى لهموم ومشكلات المواطن الأردني، وبين الشعار القومي الذي من أهم مراكزه قضايا الوحدة العربية والتصدّي للمشروع الصهيوني
أزمة اليسار الأردني
أن أسباب أزمة اليسار الأردني تتمحور في العيد من جوانبها في أسباب أزمة اليسار العربي وفي أسباب أزمة التيارات القومية العربية والأممية-الشيوعية، بما لا يلغي المكونات والأسباب الخاصّة باليسار الأردني نفسه، في ذاته، ومع محيطه. ويمكن في هذا الصّدد تقديم عدد من الفرضيات في محاولة للفهم :
1. لم يصاغ اليسار العربي في برامج وشعارات تخاطب فعلا الفئات والطبقات التي زعم اليسار أنه يمثل مصالحها.
2. لم ينسجم الشعار الوطني الكفاحي مع الشعار ألأممي في كثير من الأحيان.
3. كان الشعاران القومي والوطني على غير انسجام مع الشعار ألأممي، ولم يُطرح أصلا شعار يساري وطني واقعي مقنع.
4. انفصم الاقتصادي عن السياسي وكلاهما عن الاجتماعي .
5. ركض اليسار بعيدا في دون التمعّن في واقع ومستويات تطور المجتمع الأردني.
6. كانت الآيديولوجيا وليدة الحاجة السياسية، ولم تكن ولادة الآيديولوجبا الشيوعية خصوصا ولادة طبيعية، بل قسرية أصبح فيها ما هو خارجي أهم مما هو داخلي، وما هو شكلي بديلا لما هو جوهري،… فكانت مرجعية موسكو هي الأصل والأساس ومصدر المعرفة وتحليل الواقع، فلم تكن وقائع الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية مصدرا لبناء البرامج السياسية والاقتصادية.
7. وتنظيمياً، فشلت صيغة المركزية-الديمقراطية في توفير ناظم ديمقراطي متقدم للحياة الحزبية الداخلية فتحولت تلك الأحزاب إلى أنماط من الحكم الشمولي الزعامي بمسحات دكتاتورية وبيروقراطية ومراتبية بارزة، ولم تستوعب الأحزاب اليسارية دروس نتائج انعدام الديمقراطية الداخلية لديها.
8. علاقة تلك الأحزاب والقوى بجماهيرها المفترضة انبنت بدورها على أسس المركزية – الديمقراطية ذاتها، واتحدت في الجوهر أمراض الحياة التنظيمية الداخلية مع أمراض العلاقة مع الجماهير.
9. كان بقاء واستمرار الشيوخ في قيادة تلك الأحزاب مؤشرا على حالة مستعصية من التكلّس ، رغم أن هؤلاء لم يكونوا في الغالب الأكثر وعيا ودراية ومعرفة، لا بالمعنى النظري، ولا في مبادين العمل السياسي والتنظيمي والجماهيري، ففقدت تلك القوى قدرتها على التجدّد والتجديد ومواكبة المتغيرات(يقف الآن كثيرا من أبناء تلك الأحزاب خارج أطر العمل الحزبي السياسي المنظم).
10. كانت علاقة الاتحاد والانفصال-الانشقاق بين أطراف الحركة الشيوعية الأردنية والفلسطينية نتاج تهلهل وارتباك في مجمل مسيرة هذا التيار من اليسار الأردني.
11. الدور الهام للجبهتين، الديمقراطية والشعبية، في حياة اليسار الأردني، لم يستطع دفع هذه الحركة خطوات إلى الأمام كما كان يطمح هذان الفصيلان،.
12. انكشاف الوهن الفكري والسياسي والتنظيمي للأحزاب اليسارية الماركسية-اللينينية بعد انهيار المعسكر الاشتراكي، واتضاح هذا الوهن محليا بعد الدخول في مرحلة العمل العلني مع بدايات الانفراج الديمقراطي في الأردن، فكان الخروج من العمل السري الى العمل العلني في الأردن ذا نتائج كارثية على أحزاب اليسار، التي طالما عزت عدم تعاظم دورها إلى كونها تعمل في ظروف العمل السري. لم يترافق “الانكشاف الآيديولوجي” بالذات مع مراجعات فكرية وسياسية وتنظيمية، استمرت المراوحة في المكان النظري والسياسي والتنظيمي دون محاولة التوقف بجدية وعمق أمام الأسباب ومحاولة الخروج بنتائج تحترم الحقيقة والعلم والواقع .
13. الافتقار إلى خطاب آيديولوجي يساري متماسك يستطيع صياغة برامج قادرة على حشد التاييد، وقادر على حل إشكالية العلاقة بين ما هو “يساري” وبين ما هو اجتماعي مقبول من الناس الذين يعكس ذلك البرنامج صالحهم ويدافع عنها.
14. الافتقار مشروع نهضوي مقنع معزز ببرامج واقعية تستجيب للمصالح الوطنية والقومية.
15. تشوّش الموقف من الديمقراطية والمجتمع المدني والدولة الحديثة.
أزمة اليسار الأردني في بعدها القومي والأممي فكريا وسياسيا وتنظيميا
إن من الظلم تناول أسباب أزمة اليسار الأردني كما لو أنها أسباب خاصة به… فالكثير مما ورد آنفا ينطبق في حدود تزيد أو تنقص على غالبية (وربما كل!) قوى اليسار العربي وفي العالم، وخاصة في التيارات الماركسية-اللينينية، و لا بد من استعراض عدد من محاور الأسباب الأعمق لأزمة اليسار، في الجذور النظرية الفكرية والسياسية، والتي منها:
* تغليب الشعار والأحكام الجاهزة على محاولة قراءة الواقع والتعامل مع عناصره ومتغيراته ومستجداته، على الرغم كل قوانين الجدل والتراكم والتغير الكمّي والنوعي، كما لو أن النظرية نفسها تسارع إلى دحض نفسها، وكمثال: الموقف من العولمة.. فرغم أن النظرية الماركسية نفسها وقوانينها الاقتصادية تكاد تصف بدقة العديد من مظاهر العولمة (عالمية عمليات الإنتاج، ثمّ التوزيع) إلا أن اليسار لا يستطيع حتى الآن الفصل بين العولمة كظاهرة اقتصادية عالمية هي نتاج فعل قوانين تطور، وبين المشاريع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعمل على تنفيذها دول وقوى ومؤسسات رأسمالية كبرى..
* اعتبار أي خروج عن ” النصوص” و” المسلمات” خروجا عن الصف الآيديولوجي والسياسي والتنظيمي لليسار، بما يشبه الإلحاد في نظر المؤمنين، فالماويون والتروتسكيون واليساريون الجدد، بل وحتى أحزاب الشيوعية الأوروبية “المجتهدون” في الماركسية عملاء (أو يكادون) للامبريالية، وليسوا من أبناء المعسكر النقي الحديدي المتماسك لدول المنظومة وحلفائهم، تبعا لما تقرره المرجعية الأعلى في موسكو، صاحبة القرار الأول والأخير.
* وبدلا من بناء أنظمة علمانية في دول حديثة تحترم قوانينها ومواطنيها في نسق من الحريات المكتسبة على أسس الديمقراطية السياسية والاجتماعية، تحولت دول النظرية الماركسية الى دول تحكمها أنظمة تقدّس الدكتاتورية وتنظِّر لها، وتحتقر الحريات بأنواعها، وبينها بالطبع، حرية الفرد.
* وفي البعد العربي لحالة التشوّش والارتباك والاختلاط المعرفي في بلد المصدر، ونتيجة سياسة استيراد كل ما هو سياسي وفكري، استقبل اليسار العربي استراتيجياته أيضا من أولئك الذين أنتجوا هذا الخلل المعرفي نفسه، وقد تجلى هذا على المستوى السياسي في “الطرق” التي يجب أن يتم المرور بها للوصول إلى الاشتراكية الموعودة (طريق التطور اللاراسمالي، دول التوجه الاشتراكي، حركات التحرر الوطني الديمقراطية الثورية،..
اليسار الأردني وأسئلة المستقبل
• هل من الممكن إعادة تاسيس حركة يسارية أردنية ذات وزن؟ ضمن أي إطار؟ ووفق أي صيغة؟ وما هي الأسس التي تستند إليها هذه الحركة اليسارية العتيدة؟ أين هي القاعدة الاجتماعية المفترضة لهذا اليسار؟
• هل تستطيع حركة ديمقراطية واسعة ومرنة ومؤثرة استيعاب اليسار الأردني ، أم أن هذا اليسار سيكون قادرا على بناء هذا الإطار الديمقراطي الجماهيري الذي يستطيع أن يستقطب المبادرات الديمقراطية الجديدة؟
• هل سيعيد اليسار الأردني النظر في تجربة الاشتراكيات الديمقراطية الأوروبية باعتبارها نموذجا أرقى للدولة الديمقراطية الحديثة ومؤسساتها المدنية أم أن التعفّف عن التعامل مع صيغ “الديمقراطية البرجوازية” ستبقى تشد هذا التيار إلى الخنادق القديمة؟
• هل من استطاع التعايش مع بنى اليسار الأردني (والفلسطيني بالتداخل) طوال عقود من الزمن، قادر على الخروج من شرانقه الفكرية والسياسية والتنظيمية التي تكلست وصعب كسرها؟ وهل هو مؤهل للعب دور في بناء حزب ديمقراطي جديد؟
ا لأحزاب السياسية الأردنية
بعد أن توقفت الحياة الحزبية العلنية في منتصف الخمسينات وأدى إلى حل معظم هذه الأحزاب ودفع بعضها الآخر إلى العمل السري حتى بداية التسعينات. نشأ عدد كبير من الأحزاب في أعقاب الانفتاح الديمقراطي في الأردن في بداية التسعينات، ويصل حاليا عدد الأحزاب إلى 26 حزبا، و لقد شهدت الخارطة الحزبية في الأردن ابتداءا من عام 1992 تغيرت كثيرا و تمثلت حتى الآن في انسحابات وانقسامات وعمليات دمج لفترة محدودة، ولقد كانت هذه الظواهر قاسم مشترك لكل الأحزاب من اليسار إلى اليمين . وكانت أزمة الديمقراطية الداخلية في الأردن سبب رئيسي لحالة عدم الاستقرار للحياة الحزبية الداخلية في الأردن.
التيار اليساري :
تيار اليساري: ينضوي تحت لواء هذا التيار الأحزاب التالية:
1-الحزب الشيوعي الأردني:حصل الحزب الترخيص في 17/1/1993 ، بيد أنه يعود في تأسيسه إلى الأربعينييات وقد بلغ عدد الاعضاء المؤسسين سبعة اعضاء ويتزعم د.منير حمارنة وعدداعضاء المكتب السياسي تسعة. هذا وقد اخفق الحزب في ايصال أي من مرشحيه في انتخابات1993 كما شارك بالانتخابات البرلمانية في عدة دورات واستطاع ان يحصل على مقعدين عن دائرتي القدس ورام الله في انتخابات 1956.اصدر الحزب جريدة “الجماهير” وواظبت على الصدور الى حد كبير لعقود، ولا زالت.
2-الحزب التقدمي:تأسس الحزب التقدمي في شباط 1993وحمل الحزب سابقا اسم “حزب الحرية” هذا وقد بلغ عدد مؤسسيه (61) عضوا، وعدد أعضاء المكتب السياسي ثمانيةويشار الى انه جاء نتيجة انشقاق بعض العناصر القيادية من الحزب الشيوعي، وقد انتهج الحزب خطا يساريا ليبراليا لتمييز نفسه عن اليسار الاصولي،لم يصدر الحزب صحيفة وليس له تمثيل في البرلمان وقد ضم الحزب بين صفوفه نقابيين ونشيطات من الحركة النسائية.
3-الحزب الديمقراطي الوحدوي الأردني:يعتبر الحزب نفسه حزبا ديمقراطيا ويساريا تجديدياأصبح اسم الحزب منذ عام 1998 حزب اليسار الديمقراطي برئاسة المهندس موسى المعايطة. وقد نشأ في عام 1994 نتيجة لاندماج ثلاثة أحزاب سياسية وجناح منشق عن حزب يساري، واعلن عن نفسه عام 1995، وضم الحزب كل من:
أ-الحزب الديمقراطي الاشتراكي، ويتزعمه عيسى مدانات وكان قد انشق عن الحزب الشيوعي الأردني ، ومثله نائب واحد في البرلمان.
ب-الحزب العربي الديمقراطي الأردني، تزعمه مازن الساكت، وتأسس نتيجة لحوار سياسيين من اتجاهات مختلفة. تميز الحزب بأنه مزج ما بين الفكر القومي والوطني الأردني والافكار الاشتراكية والليبرالية .
ج-الحزب التقدمي الديمقراطي الأردني، وهو وليد انشقاق عن حزب الشعب (حشد)، ويرتبط بعلاقة وثيقة بالجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ومقرب من جناح ياسر عبد ربه الذي انشق عن ذات الجبهة عام 1991. وتم الاعلان عن تأسيس الحزب في بداية عام 1993.
4-حزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني:تأسس عام 1990 ويرتبط بعلاقة وثيقة مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، تأسس بعد اقرار قانون الأحزاب السياسية والذي يمنع الارتباط بالخارج وتزعمه حينذاك عزمي الخواجا ثم الدكتور سعيد ذياب،شارك في اللجنة الملكية لصياغة الميثاق الوطني عام 1990 ،تمثل الحزب في البرلمان في الفترة ما بين 89-93 من خلال نائب واحد،ولم يحالفه الحظ في انتخابات 1993وعدد مؤسسي الحزب 92 (ذكور 78، اناث 12)، اما وسيلة اعلام الحزب فهي “نداء الوطن” التي توقفت عن الصدور لاسباب ازمة مالية.وعدد أعضاء المكتب السياسي سبعة اعضاء،كذلك عدد أعضاء اللجنة المركزية 31.
5-حزب الشعب الديمقراطي الأردني (حشد):تأسس عام 1989 نتيجة لتوجه قيادة الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بتحويل منظمتها في الاردن”مجد” الى حزب سياسي اردني له استقلالية،عدد الأعضاء المؤسسين 101 (ذكور 80، اناث 21) وعدد أعضاء المكتب السياسي ثمانية اعضاء،أما عدد أعضاء اللجنة المركزية فيبلغ واحد وثلاثين عضوا ،ويشار الى ان الحزب حصل على الترخيص عام 1993 أما وسيلة اعلام الحزب جريدته الاسبوعية الاهالي وهي منتظمة الصدور منذ عام 89
6-حزب الشغيلة الأردني:يعتبر حزب منشق عن الحزب الشيوعي الأردني ،يتزعم الحزب د.يعقوب زيادين،عقد مؤتمره العام في أوائل حزيران 2002 وعدد أعضاء اللجنة المركزية يبلغ سبعة عشر عضوا أما عدد اعضاء لجنة الرقابة الحزبية فيبلغ خمسة اعضاء وعدد اعضاء المكتب السياسي تسعة اعضاء ولا يوجد صحيفة ناطقة باسم الحزب كما انه لم يتمثل في البرلمان
خلاصة
ان الأحزاب الوسطية ذات البرنامج الوطني والمتماثلة كانت مطالبة بان تأخذ دورها في تحمل المسؤولية الوطنية منطلقة من الفهم الجدلي لخصائص الزمان والمكان. وان أهمية البرنامج الحزبي الإصلاحي (الوطني) تكمن في أنه يجب ان يستند إلى القاعدة التي تقول ان المطلوب ليس استنطاق الماضي بل تفسير ظواهره على مستوى الحاضر.
ان الأحزاب الوسطية لجأت إلى طرح شعارات وتسميات حزبية متعددة تتمسح من خلالها بالمصلحة الوطنية، وما كان هذا دافعا باتجاه إعادة إنتاج نفسها بعباءة سياسية وتنظيمية من اجل ان يؤدي ذلك إلى زيادة قوة نفوذها، والاستقواء من خلالها، ويكون من نتيجة ذلك كبح أي حتمية لها علاقة بالقيم الحضارية والإنسانية، مما يؤدي إلى منح المزيد من النمو الديمقراطي، فالسيطرة التي مارستها هذه القوى البيروقراطية، والتي تسمى نفسها بالنخبة أحيانا أدى إلى إعاقة الإدارة الفعالة لطبيعة الأداء السياسي مما يؤدي مع مرور الزمن إلى المزيد من الاحتقانات الاجتماعية.
واستخلصت الورقة أن الأحزاب الوسطية لم تستطع ان تبلور خطاً وخطابياً سياسياً، ولحظت الورقة انعزال تلك الأحزاب عن الواقع الوطني والشعبي والشخصنة والفردية في قيادة هذه الأحزاب.
أما الأحزاب “لا نستطيع التحدث عن يسار المستقبل بمعزل عن تجربة اليسار في الماضي، والنموذج الذي كان سائدا، وهو النموذج السوفييتي والماركسية- اللينينية، رغم قناعتي بان المهم في مثل هكذا لقاءات هو فتح حوار حقيقي حول “الآفاق المستقبلة لليسار الديمقراطي فقط”.
ان أسباب الانهيار أهمهه: غياب الديمقراطية داخل الأحزاب سواء كانت في السلطة، أو خارجها مما أدى إلى ظهور حفنة من القادة مع مجموعة من المواطنين المتنفذين ذوي الامتيازات. ثم تفشي العقلية البيروقراطية داخل الأحزاب الحاكمة وانتقالها إلى غير الحاكمة.
ان اليسار الأردني لم يكن بعيدا عن هذه الظواهر، حيث الانشقاقات المتتالية، كذلك الإشكاليات التي يجمع عليها العديد من المفكرين، وأبرزها التحدي الحضاري الذي تجابهه قوى اليسار وإشكالية التخلف في الجوانب المختلفة، ثم إشكالية التنمية الديمقراطية في بلدان العالم الثالث، ثم الديمقراطية على صعيد الدولة ومؤسساتها والمجتمع وتأثيرها على مؤسسات المجتمع المدني.
إن تفعيل دور الشباب في العمل السياسي والمشاركة في الشأن العام واطلاق مبادرات وآليات عمل تؤسس لعمل شبابي مشترك ضرورة للمساهمة في التنمية الديمقراطية والمجتمعية.
كما أن توحيد الجهود الشبابية وإطلاق مبادرات في سياق العملية الديمقراطية ومسيرة الإصلاح التي تجري في الاردن، و ايجاد جو صحي من التآلف والتفاعل بين الشباب من كافة الاتجاهات السياسية والفكرية وتكريس مبدأ الحوار الديمقراطي وقبول الرأي والرأي الآخر، والمساهمة في بناء تيار ديمقراطي اجتماعي شبابي يجب ان يأخذ بعين الاعتبار .