كتب :جمال الخطيب
باحث / رئيس مركز البديل للدراسات والأبحاث
سكرتير المهد العربي لبحوث السياسات، شبكة نواة
عضو رابطة الكتاب الأردنيين
مدخل :
شكل الاحتجاج في الشارع الأردني مفاجأة مذهلة لصناع القرار في الدولة الأردنية، وقد تستخدم أساليب تتراوح بين الترغيب والترهيب لاحتوائه ، وذلك بدلاً من الاستجابة للمطالب الشعبية المشروعة، والبحث عن الأسباب الحقيقية ومحاولة إيجاد حلول عملية للأزمة الاقتصادية العميقة التي تمر بها البلاد.
والتحول الرئيسي في هذا الاحتجاج هو النزول إلى الشارع وتجاوز المطالب المسببة للاحتجاج، وإعادة الدور السياسي للنقابات بعد إطلاق المسيرة الديمقراطية عام 89 ، حيث كانت دعوة مجلس النقباء الى الإضراب الشرارة التي فجرت الغضب الشعبي تجاه القرارات الاقتصادية الحكومية ودفعت الناس للخروج في 30أيار 2018 ،الى الشارع وتنظيم المسيرات والاعتصام، واستخدام الصحافة الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي مثل: الفيس بوك والتويتر واليوتيوب وغيرها. كما أن المشاركة في هذه الاحتجاجات شملت كافة مكونات المجتمع الأردني وبرزت الطبقة الوسطى التي غابت عن المشهد لسنوات سابقة .
وقد أدى رد فعل حكومة الدكتور هاني الملقي بالإصرار على عدم سحب القانون ومن ثم اعلان رفع أسعار المحروقات والكهرباء في اليوم التالي للاعتصام الى زيادة حدة الغضب في الشارع وارتفاع سقف المطالبات الشعبية لتصل الى المطالبة باستقالة أو إقالة الحكومة وحل مجلس النواب. كذلك ظهرت أصوات كثيرة وخاصة بين النخب السياسية تطالب بضرورة إعادة النظر في النهج السياسي كاملا وليس فقط الاقتصادي.
لقد نجح الحراك الشعبي في الأردن والحراك الشبابي جزء منه في السابق في إسقاط أكثر من حكومة، و كذلك حلّ مجلس النواب في عامي 2010 و2012، واستجابة للضغوط الشعبية للحراك فقد تم أخذ بعض الخطوات الإصلاحية مثل إنشاء لجنة الحوار الوطني، وإجراء تعديلات دستورية شملت ما يقارب ثلث مواد الدستور الأردني، وإنشاء محكمة دستورية ،و هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات ، وقد اعتبر البعض أن هذه التعديلات تمثل نقلة نوعية سياسية في مسيرة الدولة الأردنية عنوانها الإصلاح الشامل في كافة المجالات، غير أن ناشطي الحراك الشعبي في الأردن وفي مقدمتهم ناشطي الحراك الشبابي.
والجدير بالذكر : بلغ عدد الاحتجاجات العمالية التي شهدها الأردن عام 2010 حوالي 140 احتجاج، وارتفع هذا العدد إلى 829 احتجاج عام 2011 وإلى 901 عام 2012، وهذا دليل واضح على تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها البلاد.
لماذا تلجأ الشعوب الى الاحتجاج ؟
لسنوات عدة حاول علماء السياسة والاقتصاد والاجتماع بما فيهم علماء الحركات الاجتماعية، تطوير نظريات رئيسية تساعد في فهم وتحليل حركات الاحتجاج، وقد تبلورت تلك الجهود في ظهور ثلاث نظريات رئيسية تفسر حركات الاحتجاج( ) وهي:
1- نظرية الفرصة السياسية (Political Opportunity Theory)، والتي تركز على أهمية العوامل السياسية التي تعيق أو تسهّل ظهور وتطور الاحتجاجات.
2- نظرية تعبئة الموارد (The Resource Mobilization Theory)، والتي تؤكد على أهمية تنظيم الاحتجاجات من خلال الشبكات والروابط بين قطاع السكان.
3- نظرية التأطير (Framing Theory)، والتي تؤكد على ضرورة تحويل إدراك ووعي الناس من مجرد الشكاوى إلى الاحتجاجات.
النظريات السابقة نجحت في تفسير حركات الاحتجاجات التي اجتاحت دول أوروبا الشرقية في أواخر القرن الماضي، وكذلك حركات الاحتجاج التي شاهدتها دول أخرى مثل الصين وإيران وبعض دول أمريكا اللاتينية( )، ولكن في الحالة العربية خصوصيته ،، بحيث يمكن القول أن الأحداث التي شهدها العالم العربي مؤخراً، تتحدى النظريات السابقة، ولا سيما أن بعض العناصر لم تكن موجودة في ثورات الربيع العربي، مثل ما توفر في دول أوروبا الشرقية على سبيل المثال، فبعد سقوط تلك الأنظمة وَجد العلماء الذين درسوا تلك الأحداث وجود شبكات سرية كبيرة تعمل في الخفاء، وانقسام النخب الحاكمة، والشعور لدى المواطن بالقدرة على إحداث التغيير المطلوب في الحياة السياسية والاجتماعية( ).
من الملاحظ أن الحكومات المتعاقبة أقدمت على اتخاذ جملة من القرارات الاقتصادية السابقة دون إجراء حوارات موسعة مع النخب السياسية والمجتمعات المحلية ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية ، وترى في مجلس النواب بدلا لهذه الفعاليات ، في الوقت الذي ترى كافة الأطياف السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية الأردنية أن النواب لا يعبروا عن توجهات الناخبين لما يشوب العملية الانتخابية من عيوب وعدم النزاهة – حيث يلعب المال الأسود دورا بارزا في ذلك الشأن .
ولذلك تلجأ الحكومة الى تحميل المواطن العبء في تحمل تبعات زيادة إيرادات الخزينة وتغطية عجز الموازنة بديلا عن إجراءات محاربة الفساد ومواجهة التهرب الضريبي. وأن الحجج التي تقدما عن ضغوطات صندوق النقد الدولي ليس مبررا .
إن الحكومات الناجحة تستطيع أن تستفيد من كافة أشكال المعارضة والاحتجاج – كظاهرة إيجابية يمكن من خلالها مواجهة برنامج صندوق النقد الدولي هذا من جهة ، ومن جهة أخرى وفي ظل شح المساعدات العربية للأردن لاعتبارات سياسية وإقليمية تقدر للأردن من الأهمية بمكان أن تلعب السياسة الخارجية دورا بارزا في هذا الشأن سيما وأن الأردن بموقعة الإستراتيجي والديمغرافي والجغرافي والطبوغرافي هو صمام أمان للمنطقة برمتها في ظل إقليم ملتهب ، وليس سرا حين نقول أن القرار الأمريكي بتوجيه الداعمين ملزم .
إن الحلول المقترحة تتمثل في عدم التعنت الحكومي ، فسحب قانوني الضريبة والخدمة المدنية موقف عقلاني ، وكذلك تشكيل فريق وطني اقتصادي لوضع برنامج اقتصادي لمكونات المجتمع الأردني دورا بارزا فيه ليكونوا شركاء في صنع القرار – فهم من يتحملون تبعاته ، كما النهج الاقتصادي برمته يحتاج الى مراجعة ، وعدم الاعتماد على الخبراء التقليديين الذين قد يزجون بالأردن واقتصاده الى لمجهول ، وبادئ ذي بدء لا نجد مشكلة في استقالة الحكومة ، فأمن الأردن واستقراه أهم بكثير ،والشعب الأردني يستحق وتقديم التنازلات له ليس عيبا ، وهو سيقدم تنازلا أكبر حين يرى المعادلة . والدعوة لمن نزل الى الشارع ..إياكم وتعكير الإحتجاج …. حافظوا على سلميته الى حين .