جمال الخطيب
أدت تركيبة الحكومة الجديدة إلى فتح باب الحوار والتعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي ، وظهرت بوادر عدم الرضا من قبل تيارات سياسية واجتماعية ،ومن الملاحظ أنّها حكومة ائتلافية تتكوّن من طيف متنوع ( ليبرالي ومحافظ وتكنوقراط وسياسي) ،عكست بوضوح عودة قوية للتكنوقراط ، ويعدّ هؤلاء إداريين متخصصين في مجالات عملهم، من دون انتماء سياسي حزبي ،ومن المتوقع أن يؤثّر عدم انسجام التشكيلة الحكومية في قدرة هذا الائتلاف الحكومي على تنفيذ برنامج موحّد ، وربما يؤثّر التنافر بين مكونات الحكومة أيضاً في استقرارها، إذا كانت حكومة تسييرية تجمع ألوان مختلفة غير متجانسة . لكن ربما يكون الضمان لاستمراريتها هو تهدئة الشارع وتجنيب البلاد أزمة حكومية أخرى، والتصرف بوصفها حكومة النسيج الوطني الأردني بمكوناته وفسيفساءه ، وقادرة على اتخاذ خطوات بعيدة المدى نحو تعديل وتطوير القوانين الناظمة للعملية الاقتصادية والسياسية – مثل قانون الانتخاب وتطويره باتجاه تفعيل دور الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والحكومات البرلمانية والتعددية الحزبية ، وكذلك تطوير وموائمة برنامج الإصلاح الاقتصادي بما يتلاءم مع الأوضاع المعيشية للمواطنين.
التوليفة الجديدة ؟
فعلى وقع الاحتجاجات التي أطاحت بحكومة الملقي ،ورفضا لسياساتها الاقتصادية وإصرارها على تمرير قانون ضريبة الدخل، واتخاذها قرارات برفع أسعار المشتقات النفطية، جاء الإعلان عن الحكومة الجديدة بعد 9 أيام من المشاورات التي أجراها الرزاز حيث التقى بالعديد من الشخصيات الاقتصادية والسياسية، وأجرى عمليات مفاضلة وسرية بين عدد من الشخصيات .
وقد ضمت الحكومة الجديدة 29 شخصية، من بينهم 7 سيدات، في سابقة هي الأولى في الأردن بأن تضم الحكومة هذا العدد من الوجوه النسائية، وبعودة 14 وزيرا من حكومة سلفه هاني الملقي ، وحضور ملفت لعناصر شابة من كلا الجنسين، وإشراك شخصيات سياسية معارضة لسياسات الحكومة واتفاقية السلام الموقعة مع إسرائيل، أبرزهم مثنى غرايبة وزيرا للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، الذي كان من قادة الحراك في الأردن في موجة الربيع العربي وتصدر قيادة “الائتلاف الشبابي والشعبي للتغيير”
ومن الملفت اعادة كل من مجد شويكة وزيرة لتطوير القطاع العام، ولينا عناب وزيرة للسياحة والآثار، وهالة لطوف بسيسو وزيرة للتنمية الاجتماعية.وتولى الاقتصادي نائب رئيس الوزراء الأسبق والوزير في عدة حكومات، رجائي المعشر، منصب نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، ليتولى بذلك رئاسة الفريق الاقتصادي في الحكومة، والى جانبه الاقتصادي عز الدين كناكرية وزيرا للمالية، والذي كان يشغل سابقا موقع الأمين العام للوزارة قبل أن يعين منذ أقل من شهرين مديرا عاما للمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، وهو الموقع ذاته الذي شغله رئيس الحكومة الحالي الرزازفي السابق ، و تعيين المحامي طارق الحموري، ابن المعارض الأردني والوزير الأسبق محمد الحموري، في منصب وزير الصناعة والتجارة.
فيما حافظ وزير الخارجية أيمن الصفدي على موقعه الذي تولاه في الحكومة السابقة، وكذلك وزير الداخلية سمير مبيضين، الذي نجح في إدارة ملف الاحتجاجات التي شهدها الأردن قبل ثلاثة أسابيع، وكذلك عودة لوزراء في الحكومة السابقة وحافظوا على مواقعهم نفسها – وزير التنمية السياسية والشؤون البرلمانية موسى المعايطة، ووزير البلديات والنقل وليد المصري، ووزير العمل سمير مراد، ووزير الصحة محمود الشياب.
ومن الجدير بالذكر تم الأخذ بعين الاعتبار التمثيل العشائري بعودة عوض جراد، الذي يتحدر من عشيرة بني حسن، على موقعه وزيرا للعدل، ومبارك أبو يامين من عشيرة العبادي وزيرا للشؤون القانونية، ونايف الفايز من بني صخر وزيرا للبيئة.
توجه الرئيس وجذور الأزمة :
وبقراءة لأبرز ما جاء في الرسالة حيث تعهد الرزاز بتكريس قيم العدالة والحماية الاجتماعيّة، ومواصلة تحسين مستوى الخدمات، ومواصلة الحكومة لمراجعة الإجراءات التشريعيّة والإداريّة التي تمّ اتخاذها سابقاً لغايات تحفيز الاستثمار المحلّي، وتشجيع المستثمرين الأجانب، كمنح الجنسيّة الأردنيّة للمستثمرين ضمن شروط محدّدة، وإزالة القيود المفروضة عن بعض الجنسيّات المقيّدة لغايات دعم السياحة العلاجيّة، وغيرها من الإجراءات الأخرى”، وبما يخص قانون ضريبة الدخل، “إنّ الحكومة ستطلق حواراً وطنياً جاداً وفعّالا، بالتشارك مع مجلس الأمّة بشقّيه: الأعيان والنوّاب، وبمشاركة مختلف مؤسّسات المجتمع المدني، وفي مقدّمتها الأحزاب والنقابات، بهدف الوصول إلى صيغة تراعي مبدأ التصاعديّة الضريبيّة وفق أحكام الدستور، وتحقّق العدالة في العبء الضريبي، وتلبّي متطلّبات النهوض بالاقتصاد الوطني”.و”السير بإجراءات أتمتة الخدمات الحكوميّة. و”إجراء تقييم شامل لتجربة اللامركزيّة وتعزيز أطر التواصل مع المجالس البلديّة في مختلف محافظات ومناطق المملكة.
من الواضح ان رسالة دولة الرئيس للملك حملت في ثناياها هموم ومهام كبيرة من الصعوبة بمكان تحقيق وإنجاز الكثير منها لأنها تحتاج ليس لفريق فحسب بل لأساسات وتشريعات وقدرات وإمكانيات ومحيط إقليمي مستقر وإدارة أمريكية مختلفة عن الإدارة الحالية ، فالمتغير على المستوى الدولي والإقليمي مختلف في ظل السياسات الخليجية غير المحايدة ، والعلاقات الإقليمية والدولية التي تبنى على قاعدة المصالح والبزنس وغياب للمواثيق الدولية ذات الصلة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، مسائل يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار الى جانب تفعيل وتطوير التعددية الحزبية وإعادة النظر في القوانين والتشريعات الناظمة ومواجهة الفساد وإعادة النظر بالبرنامج الاقتصادي .
لقد أكد الحراك الشبابي على إن الإصلاح السياسي والاقتصادي متلازمان، وأهمية بناء اقتصاد إنتاجي والقضاء على الفساد والتطفل على المال العام والمناصب الرسمية لتعزيز النفوذ والهيمنة بتعبيرها المالي والاجتماعي، فمن الواضح ان تحقيق هذا الهدف يشترط بنية مؤسسية سياسيا وإداريا مسلحة بالإرادة والنزاهة اللازمة.
وإن خلفية الأزمة من جذورها هي داخلية وتداخل وتفاعل السياسي والاقتصادي،وتنطلق من فرضيات شح الموارد والقدرات رغم القدرات البشرية، ولكن غياب برامج وطنية طموحة والاكتفاء بتسيير بيروقراطي،وغياب لاستثمارات والمشاريع الإنتاجية، والترويج لمشاريع يحصد ثمارها طفيليون ،وانتشار الفساد هي الأزمة بحد ذاتها .