جمال الخطيب : رئيس مركز البديل للدراسات والأبحاث
مدخل :
يعيش الأردنيون منذ مطلع 2018، تحت موجة غلاء حاد طالت “الخبز السلع الرئيسة والخدمات ” وتعاني موازنة الأردن للعام الجاري، عجزا ماليا بقيمة إجمالية 1.753 مليار دولار، قبل التمويل (المنح والقروض)، فيما سجل معدل النمو الاقتصادي في الأردن عام 2017 نحو 2% ويتوقع ان ينخفض في عام 2018.
ومن أبرز الأسباب تدفق اللاجئين من سوريا اثر اندلاع النزاع عام 2011 وانقطاع إمدادات الغاز المصري وإغلاق حدوده مع سوريا والعراق بعد سيطرة تنظيم داعش على مناطق واسعة فيهما. وتلا ذلك التعديلات الجديدة المفروضة على قانون ضريبة الدخل، إذ تقوم خطط الإصلاح المالي للحكومة الأردنية – استجابة لتوجيهات صندوق النقد الدولي – على تحصيل إيرادات ضريبية بقيمة 1.5 مليار دينار (ملياري دولار) خلال 2017 – 2019.
كما تخلت دول إقليمية عن دعم الأردن خاصة توقف المساعدات السعودية والإماراتية التي كانت تصل لدعم الموازنة سنويًا، وسط حديث بين النخب الأردنية عن ثمن سياسي مطلوب من الأردن في ملفات إقليمية تتعلق أساسًا بـ”صفقة القرن” وموقف الأردن من القدس والقضية الفلسطينية ، والعلاقة مع سوريا .
إضافة الى إستثناء الأردن من الاتفاق الذي تم بين الولايات المتحدة و”إسرائيل” والسعودية ومصر، في موضوع نقل السفارة الأمريكية إلى القدس؛ ما دفع العاهل الأردني للمشاركة في القمة الاستثنائية لمنظمة التعاون الإسلامي التي عقدت في إسطنبول التركية الجمعة 18 من مايو/أيار الماضي التي بحثت تطورات الوضع في فلسطين المحتلة عقب نقل السفارة، وهو ما فجر غضب حلفاء الأمس ومن ثم توقف الدعم، ما تسبب في إرباك الاقتصاد الأردني وتدهوره بهذه الصورة.
يذكر أن التعديلات المدرجة على القانون تقضي بفرض ضريبة بنسبة 5% على كل من يتجاوز دخله عتبة 8 آلاف دينار للفرد (11.2 ألف دولار) أو 16 ألف دينار للعائلة (22.5 ألف دولار) التي تتصاعد بشكل تدريجي حتى تصل إلى 25% مع تصاعد شرائح الدخل، هذا بخلاف زيادة الضرائب المفروضة على شركات التعدين والبنوك والشركات المالية وشركات التأمين والاتصالات والكهرباء بنسب تتراوح بين 20% و40%، وتُقدر الحكومة أن توفر هذه التعديلات على مشروع القانون لخزينة الدولة قرابة 100 مليون دينار (141 مليون دولار).
ربما أن القلق الخليجي حيال تلك الاحتجاجات ستدفع دول الخليج الى إعادة النظر في مواقفهم وإستئناف المساعدات السعودية والإمارات من استثمارات وغيرها، فريق آخر يذهب إلى استئناف المساعدات الخليجية للأردن لكن بشروط، تتعلق بإعادة النظر في توجهات السياسة الخارجية لعمان حيال بعض الملفات محل الخلاف، على رأسها الموقف من نقل السفارة الأمريكية للقدس والدخول كطرف في “صفقة القرن”، كذلك مسألة التقارب مع تركيا وقطر خلال الآونة الأخيرة التي أججت غضب كل من الرياض وأبو ظبي. مما دعا السعودية الى الدعوة لقمة رباعية بحضور الأردن والإمارات والكويت لدعم الأردن.
بين غليان الشارع والضغوط الإقليمية والدولية يجد الأردن نفسه وحيدًا، فالأمر لم يعد احتجاجًا على قانون ضريبة الدخل الذي أحالته الحكومة إلى البرلمان ورفضت سحبه، بل تحول إلى محاكمة لنهج اقتصادي وسياسي يرى فيه المحتجون تشوهات بالغة الضرر.
فلم يفلح إيعاز الملك الأردني للحكومة بالتراجع عن رفع أسعار المحروقات والكهرباء في التخفيف من حدة الاحتجاجات، بل على العكس توسعت حركة الاحتجاج وانتقلت من العاصمة عمان إلى المحافظات والأطراف
وتصدرت النقابات والأحزاب المشهد في الشارع وجاء الإضراب لافًتا وحاشدًا ومفاجئًا، ولخص الحراك مطالبه رحيل الحكومة وتشكيل حكومة إنقاذ وطني وإلغاء الضرائب على المحروقات التي تصل إلى 40% وإلغاء بند فرق أسعار الوقود المثبت على فواتير الكهرباء وإلغاء ضريبة المبيعات التي تم فرضها على السلع الأساسية وسن قانون ضريبة دخل تصاعدي وإعادة الدعم على الخبز.
لم تشفع استقالة الملقي وتكليف عمر الرزاز بتشكيل حكومة جديدة لوقف موجة الاحتجاجات المتصاعدة، فقد أعلن رئيس مجلس النقباء ونقيب المهندسين الدكتور علي العبوس أن إضراب الأربعاء القادم مستمر على حاله حتى إن استقالت الحكومة لأن “المطلوب هو تغيير النهج وليس الأشخاص”، بحسب ما نقلت عنه وسائل الإعلام المحلية.
ورغم وجود أصوات برلمانية منحازة لمطالب المحتجين في الشارع والنقابات المهنية، وإعلان 90 عضوًا في مجلس النواب رفضهم مشروع قانون ضريبة الدخل ووصفه بأنه “غير صالح شكل ومضمون”، إلا أن الغضب الشعبي على الحكومة بات يشمل مجلس النواب الذي تحمّله شرائح واسعة من الأردنيين مسؤولية إقرار الموازنة مطلع العام الحاليّ، التي برأيهم منحت الحكومة تفويضًا لرفع الأسعار وفرض الضرائب بصورة غير مسبوقة.
خلاصة :
- لقد شكل الاحتجاج في الشارع الأردني مفاجأة مذهلة لصناع القرار والتحول الرئيسي في هذا الاحتجاج هو النزول إلى الشارع وتجاوز المطالب المسببة للاحتجاج، وإعادة الدور السياسي للنقابات ومشاركة منظمات الشبية في الأحزاب اليسارية والقومية ، سيما بعد هزيمة التيار الاسلامي في النقابات المهنية في الانتخابات الاخيرة وهو ما يفسر ضعف شديد لمشاركة الاسلاميين في الاحتجاجات ، ونجح الشباب في استخدام الصحافة الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي مثل: الفيس بوك والتويتر واليوتيوب وغيرها. كما أن المشاركة في هذه الاحتجاجات شملت كافة مكونات المجتمع الأردني وبرزت الطبقة الوسطى التي غابت عن المشهد لسنوات سابقة .
- لقد نجح الحراك الشعبي في الأردن والحراك الشبابي جزء منه في السابق في إسقاط أكثر من حكومة، و كذلك حلّ مجلس النواب في عامي 2010 و2012، واستجابة للضغوط الشعبية للحراك فقد تم أخذ بعض الخطوات الإصلاحية مثل إنشاء لجنة الحوار الوطني، وإجراء تعديلات دستورية شملت ما يقارب ثلث مواد الدستور الأردني، وإنشاء محكمة دستورية ،و هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات.
- كانت كلمة جلالة الملك إستجابة واضحة لرؤية الشباب لما تضمنته حيث تضمنت ” الإشادة بالشباب والاهتمام باحتياجاتهم وتطلعاتهم وحقهم بالمشاركة في صنع القرار وتبوأ المناصب العليا ، وأهمية محاربة الفساد والترهل الوظيفي بدا من الوزراء وانتهاء بالموظف العام ، وإعادة النظر في الخطط البرامج الاقتصادية ، وليس قانون الضريبة فحسب وإنما بالمنظومة الاقتصادية وأثرها على المواطن وعلى الشباب – حيث البطالة وفرص العمل والفقر” .
- أكد الحراك على إن الإصلاح السياسي والاقتصادي متلازمان ، و أهمية بناء اقتصاد إنتاجي والقضاء على الفساد والتطفل على المال العام والمناصب الرسمية لتعزيز النفوذ والهيمنة بتعبيرها المالي والاجتماعي ، فمن الواضح ان تحقيق هذا الهدف يشترط بنية مؤسسية سياسيا وإداريا مسلحة بالإرادة والنزاهة اللازمة.
- إن الأزمة الاقتصادية في الأردن تبين انه تأثر بشدة وما زال يدفع ثمنا باهظا لما تعاني منه أقطار عربية من حروب وتوترات تشمل محيطه المباشر . فلسطين وسوريا والعراق والسعودية .وعمقه الأبعد في اليمن وليبيا .
- الموقف السلبي لدول عربية اعتادت سابقا ان تساعد الأردن،وهي دول أصبحت بنفسها بحاجة للمساعدة نتيجة سياسات غير حكيمة ومتهورة،وتريد أن تحقق انتصارات وهمية على حساب القضايا المركزية للأمة العربية .
- إن خلفية الأزمة من جذورها هي داخلية وتداخل وتفاعل السياسي والاقتصادي،وتنطلق من فرضيات شح الموارد والقدرات رغم القدرات البشرية، ولكن غياب برامج وطنية طموحة والاكتفاء بتسيير بيروقراطي،وغياب لاستثمارات والمشاريع الإنتاجية، والترويج لمشاريع يحصد ثمارها طفيليون ،وانتشار الفساد هي الأزمة بحد ذاتها .
- لم تتحقق النبوءة التي افترضت بان العودة الشرعية للأحزاب ستعيد توزيع الأدوار بصورة صحيحة، ذلك ان الكثير من الفعاليات وجدت في بنية النقابات ونشاطاتها بديلا للمنابر الحزبية، يضاف الى ذلك الدعم الذي توفره النقابات للمواقف والانحيازات الحزبية خصوصا في ظل التحولات السياسية الإقليمية العميقة، وهو ما زاد في تعكير الأجواء بين النقابات والحكومات .
خاتمة :
- ان الأزمات الاقتصادية المتلاحقة التي يمر الأردن بها قد وجهت الأحزاب الى الاهتمام بهذا الجانب وأولته اهتماما استثنائيا، وبالرغم من ان غالبية الأحزاب تتعامل بالقطعة مع القضايا الاقتصادية ومدى تأثيرها المباشر على المواطنين وعلى البنية الاجتماعية المحلية من خلال إصدار البيانات في وسائل الإعلام، إلا انها لم تجتهد في معظمها لتطوير خطابها في هذا الاتجاه بتقديم برامج بديلة.
- أن الأحزاب اليسارية والقومية ترفض سياسات استمرار الدولة في التجاوب مع أملاءات ووصفات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي باعتبارها احد الأسباب التي أدت الى تأزيم الاقتصاد الأردني وانكماشه وتراجعه.