بعد سقوط التنظيم في بلاد الشام والرافدين- السيناريوهات المحتملة (تقدير موقف )
جمال الخطيب ، رئيس مركز البديل للدراسات والأبحاث
ينشغل العالم ونخبه السياسية وصناع القرار وقادة العالم ،في آفاق مواجهة الخطر الداعشي المتناثر في شتّى بقاع العالم من ذئابه المنفردة.. ودعايته المنتشرة في العالم الافتراضي …وخلاياه النائمة.. الى العائدين لكهوفهم في قندهار وتورا بورا….ودول أخرى متحضرة لم تحسن التعامل مع عقول هؤلاء بقصد أو بغير قصد .
مدخل :
فمع ظهور التنظيم وإعلانه إقامة ألخلافه المزعومة عام 2014، ظلّ يجتذب بعض الأنصار من جميع أنحاء العالم، ومع سيطرته على المزيد من الأراضي في سوريا والعراق، أخذت أعداد المقاتلين الأجانب في التزايد حتى وصلت وَفْقَ بعض الإحصائيات إلى 40 ألف مقاتل.
في منتصف شهر حزيران 2017، وثقت تركيا أسماء 53781 شخصًا من 146 دولة، أعربت دولهم الأصلية عن قلقها من مغادرتهم من أجل الانضمام إلى داعش، مستخدمين تركيا مَمَرٍّا لهم إلى سوريا، (الموقع الإلكتروني لـ “منظمة مشروع كلاريون” المهتمة بمجال مكافحة التطرف في 26 أكتوبر 2017).
ومع إعلان كل من العراق وسوريا والحليف الروسي عن الانتهاء من الحرب أو الاقتراب من ذلك – باستثناء بعض الجيوب والمناطق في الشمال السوري الخاضع لقوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية ،وتجري المفاوضات تحت عنوان – مناطق خفض التصعيد – ونقل مقاتلو التنظيمات المتطرفة إلى مناطق ؟، ومن خلالها انسياب غير معروف ، أين ستذهب عناصر داعش؟ وأخواتها ، خاصّةً وأن قادة الدول المعنيّة بمكافحة تنظيم داعش في العراق وسوريا، يعلنون نهاية هذا التنظيم. في الوقت ذاتِه يشيرون إلى ضرورة تكاتف المجتمع الدولي من أجل مواجهة الخطر الداعشي المتناثر في شتّى بقاع العالم من ذئابه المنفردة، ودعايته المنتشرة في العالم الافتراضي ، وخلاياه النائمة، والعائدين إلى بلدانهم الأصلية، وهذا ما يعني بعبارةٍ أخرى: أن الخطر الداعشي ما زال قائمًا على الرغم من دحر التنظيم في أرض خلافته المزعومة.وتنشغل مراكز البحث والتفكير في استراتيجيات متعددة في مكافحة التطرف والإرهاب وتبحث عن إجابةٍ لسؤال: أين يذهب الدواعش وإخوانهم بعد سوريا والعراق.
وجهات نظر قادة ذوي صلة :
إن قادة الدول التي عانت من هذا التنظيم وويلاته كان لهم رأي في ذلك ون أبرزهم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ،في حديثٍ تلفزيوني قال : “النجاح الموجود في سوريا والعراق ضد تنظيم داعش سيترتب عليه انتقال عناصر التنظيم من هذه الجبهة، في اتجاه ليبيا ومصرَ الحدود الغربية وشبه جزيرة سيناء وغرب أفريقيا”. فيما أكد الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون”، أن العملياتِ العسكريةَ ضد تنظيم “داعش” ستستمر في سوريا، في الفترة من “منتصف إلى أواخر فبراير 2018”. مُناقِضًا بذلك الإعلانَ الروسي، الذي صدر في كانون ثاني 2017، بأن الأراضيَ السورية “تحرّرتْ بالكامل” من قبضة الإرهابيين، وكانت روسيا قد أكدت أن “مهمة الجيش الروسي المتعلقة بدحْر تنظيم داعش الإرهابي المسلّح أُنجزت”، حيث صرّح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قائلًا: “خلال عامين تقريبًا، قضت القوات المسلحة الروسية بالتعاون مع الجيش السوري على الإرهابيين الدوليين إلى حَدٍّ كبير؛ وبالتالي اتخذت قرارَ إعادة القسم الأكبر من الوحدات العسكرية الروسية الموجودة في سوريا إلى روسيا.”
أما وزير الأمن الإيراني “سيد محمود علوي”، فقد حذر خلال مشاركته في ملتقى “الإرهاب والتطرف والأمن الإقليمي غربَ آسيا”، الذي أقيم في مكتب الدراسات السياسية والدولية في وزارة الخارجية الإيرانية، في كانون ثاني ٢٠١٧م، وَفْقًا لما أوردته وكالة أنباء (إيسنا)؛ من أن “داعش فقَد اليوم السيطرة على الأرض، إلّا أنه لا يزال موجودًا، ولم يُلْقِ السلاح، وأنه يسعى للسيطرة على الأرض في أفغانستان وباكستان وآسيا الوسطى، وأي نقطة أخرى يتمكن من الوصول إليها.”
وزير الحج والأوقاف الأفغاني، “فيض محمد عثمان”، فقد صرّح بأن أكثرَ من 5 آلاف و 900 داعشي فرّوا من العراق وسوريا وعلى وشك الدخول إلى الأراضي الأفغانية؛ وذلك وفقا لما أورده موقع “أفغان نيوز”، معربا عن قلقه إزاء انتقال هؤلاء الإرهابيين إلى الأراضي الأفغانية، داعيًا الأجهزةَ الأمنية إلى اتخاذ الحيطة والحذر، وتَساءل وزير الحج والأوقاف الأفغاني بخصوص خبر انتقال 5 آلاف و 900 داعشيٍّ فرّوا من الرقة شمال سوريا، قائلًا : “أين هم الآن؟ وإلى أين ستكون وِجهتُهم القادمة؟ وتابَع: “لا شك أن أفغانستان ستكون الهدفَ الأهم بالنسبة لهؤلاء الإرهابيين”.
الرئيس التركي وأمام المجموعة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية ، تطرّق في حديثه إلى مصرَ، وتحديدًا إلى شبه جزيرة سيناء، وقال: “أريد أنْ أأوضح شيئا : إنّ المكان الذي سُحبت إليه مليشيات داعش التي كانت موجودةً في “الرقة ” هو صحراء مصر، وسوف يتمّ توظيفُهم من هناك، وسوف نراقب أعمالهم هناك، فكيف لنا أنْ نبنيَ مستقبلًا مشترَكًا مع حليفٍ يرتكب جميع أنواع الخيانة ضد أمن تركيا”. قاصدًا بذلك الولاياتِ المتحدةَ.
وكذلك الرئيس الأفغاني السابق، “حامد قرضاي”، صرّح قبل فترةٍ بأن الوجود الداعشيَّ في بلاده جزءٌ من مشروعٍ أمريكي، وأضاف: أن أعضاء داعش يُجلَبُون من الخارج إلى “أفغانستان” بدعمٍ من الولايات المتحدة الأمريكية؛ وذلك لتنفيذ أهدافٍ مُحَدَّدةٍ لها.
سيناريوهات محتملة :
لم يَعُدْ أمام داعش بعد دحره في سوريا والعراق سوى ثلاثة خيارات:
الأول: اللجوء إلى حواضن ملائمة مثل: سيناء أو ليبيا أو الحدود العراقية.
الثاني : الانتشار تحت اسم الذئاب المنفردة والقيام بعملياتٍ إرهابية في أوروبا، ينقل خلالها المعركةَ من الشرق إلى الغرب.
الثالث: الانتقال إلى حرب العصابات والذوبان في الصحراء، خبث الخبرة في العراق والأرض الخصبة لإنشاء معاقلَ جديدةٍ له، فأيٌّ من هذه الدول سيَحُطّ تنظيم داعش رِحالَه فيها؟
مناقشة للسيناريوهات :
السيناريو الأول: اللجوء إلى حواضن مثل: سيناء أو ليبيا أو الحدود العراقية…
الآراء السابقة للقادة السياسيين تقول: إن وِجهة التنظيم بعد دحره في سوريا والعراق هي: “ليبيا، غرب أفريقيا، سيناء، أفغانستان، باكستان، آسيا الوسطى”، وهي آراءٌ تتصل بالماضي والواقع ، وأبرز هذه المناطق :
أفغانستان:
تمثل أفغانستان مناخا مناسبا لتنظيم داعش، من الناحية الجيوسياسية والديمغرافية وتشابهها مع سوريا والعراق ، حيث توجد أقليةٌ شيعيةٌ ممّا يُمَكِّن تنظيمَ داعش من اللعب على وَتَر الطائفية، وهذا بالفعل ما حدث، وتَوَجّه عددٌ كبير من الدواعش إلى أفغانستان بعد هزيمتهم في سوريا والعراق. ولقد ذكرتْ صحيفة “تايم ترك” التركية؛ أن السيد “زامير قابولوف”، مُمثِّل روسيا في “أفغانستان” قال في تصريحٍ له: إن روسيا كانتْ من أوائل الدول التي حذّرتْ من ارتفاع عدد الدواعش في “أفغانستان”، وإن قوة التنظيم قد ازدادت هناك في الفترة الأخيرة، وتجاوز عددهم عشرةَ آلاف.
أفريقيا:
يتوقع العديد من المحللين أن يتوجه المقاتلون الى مناطق أفريقية خاصة الذين جاءوا للقتال من هناك ، فقد حذّر مفوّض السلم والأمن في الاتحاد الأفريقي، “إسماعيل شرقي”، أن ستة آلاف أفريقي قاتلوا في صفوف داعش، ويمكن أن يعودوا إلى القارة السمراء، داعيًا الدول الأفريقية إلى الاستعداد “بقوّةٍ” للتعامل مع عودتهم، مشيرًا إلى أنّ هناك تقاريرَ تفيد بوجود 6000 مقاتلٍ أفريقيٍّ ضمن 30000 انضموا إلى هذا التنظيم .
تحالف جديد تحت اسم “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” بغرب إفريقيا:
يشير إعلان كلٍّ من “إمارة منطقة الصحراء الكبرى” و”تنظيم المرابطون” و”جماعة أنصار الدين” و”جبهة تحرير ماسينا”، في 2 مارس 2017، عن تأسيس تحالف إرهابي جديد باسم “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين”، واختيار إياد أغ غالي -زعيم “جماعة أنصار الدين”- قائدًا له، إلى سعى “تنظيم القاعدة”-الذي بايعته تلك التنظيمات- نحو تعزيز نفوذه وتنفيذ عمليات نوعية في منطقة الساحل والصحراء من جديد، في رسالة إلى كل من تنظيم “داعش”-المنافس الرئيسي لـ”القاعدة”- والقوى المعنية بالحرب ضد الإرهاب وفي مقدمتها فرنسا التي شنت عملية عسكرية لإخراج عناصر بعض تلك التنظيمات من شمال مالي في بداية عام 2013.”مركز المستقبل “، يبدو أن “تنظيم القاعدة” كان يسعى منذ فترة إلى دعم فرص تشكيل تحالفات إرهابية أوسع بين التنظيمات الإرهابية الفرعية الموالية له، بهدف تعزيز قدرتها على مواجهة الضغوط التي تتعرض لها بسبب العمليات العسكرية التي تشنها بعض القوى الدولية والإقليمية المعنية بالحرب ضد الإرهاب.
لكن هذا التحالف الإرهابي الجديد الذي تشكل مؤخرًا يواجه تحديات عديدة لا تبدو هينة، ويتمثل أبرزها في:
1- تقاسم النفوذ: لم تتفق التنظيمات الإرهابية التي قامت بتشكيل هذا التحالف بعد على تقاسم النفوذ داخله، بشكل ربما يؤدي إلى توسيع نطاق الخلافات فيما بينها خلال المرحلة القادمة.
2- الانقسام القاعدي: تشير تقارير عديدة إلى أن عزوف التنظيمات القاعدية الأخرى عن المشاركة في مراسم الإعلان عن تأسيس التحالف الجديد، يكشف عن عدم وجود تأييد واسع داخل “تنظيم القاعدة” لهذه الخطوة الجديدة، خاصة من جانب تنظيمات مثل “كتيبة عقبة بن نافع”.
3- طموحات أغ غالي: ربما يساهم اختيار إياد أغ غالي لقيادة التحالف الجديد في تصعيد حدة الصراعات داخل التحالف الجديد، خاصة في ضوء سعيه المستمر نحو تكريس نفوذه داخل التنظيمات التي ينضم إليها أو يشارك في تأسيسها، وهو ما يمكن أن يمثل محور خلاف جديدًا مع بعض القيادات القاعدية الأخرى، .
4- التناقضات الفكرية: من الملاحظ أن التحالف الجديد ضم بعض التنظيمات التي تتباين توجهاتها بشكل واضح، إذ أن كلا من “تنظيم المرابطون” و”إمارة الصحراء الكبرى” ينتهجان الفكر القاعدي العابر للحدود، في حين تمنح “جماعة أنصار الدين” -برغم قربها من “القاعدة”- الأولوية لأجندتها وأهدافها المحلية، حيث تهدف بشكل أساسي، على سبيل المثال، إلى إقامة “إمارة إسلامية” للطوارق في شمال مالي.
كما أن “جبهة تحرير ماسينا” هى حركة عرقية قبلية تهدف إلى استغلال الأزمات التي تواجهها قومية “الفولاني” من أجل توسيع نطاق نفوذها، ولكن بصبغة جهادية.
ومن دون شك، فإن هذه التحديات لا يمكن تحييدها بسهولة، بشكل يمكن أن يقلص من قدرة التحالف الجديد على الاستمرار والتماسك خلال المرحلة القادمة، خاصة في ظل التباين الملحوظ في توجهات بعض تلك التنظيمات، والذي يمكن أن يتصاعد مع استمرار العمليات العسكرية التي تتعرض لها تلك التنظيمات.
سيناء:
في الوقت الذي يعلن فيه الجيش المصري عن دحره للإرهاب، وفي ظل العمليات الإرهابية نلحظ وجودِ تنظيم داعش في مصرَ، متّخذًا من الجيش المصري والشرطة والأقباط والجماعات الصوفية أهدافًا إستراتيجية له ، ويربط بعض المحليين الصلة بين ما يجري في سيناء وبين خريطة المنطقة واستمرار العنف والفوضى في الشرق الأوسط التي يصعب بفعل الضباب الكثيف رؤية مستقبل المنطقة وتداخلاتها الإقليمية وما يتصل بصفقة القرن .
ليبيا :
نظرًا لغياب الدولة الليبية، والانقسامات التي تعيشها منذ انهيار نظام القذافي”،باتت المنطقة متاحة للتنظيمات الإرهابية بالعيش في ليبيا، لذلك يسعى تنظيم داعش إلى الاستقرار فيها، رغم الظروف التي تساعد التنظيمَ على تحقيقِ مكاسبَ سريعةٍ على أرض الواقع؛ حيث لا يوجد بها اختلافاتٌ مذهبية حادّة، أو عدوٌّ مشترَك يمكن حشد الدعم ضده، ولذلك يسعى التنظيم في ليبيا إلى التعجيل بانهيار الدولة وتقويض مشاعر القومية المشترَكة لدى الليبيين؛ ولذلك يعمل تنظيم داعش على تعزيز الظروف التي من شأنها أن تتيح له ترسيخ نفوذه.خاصة في ظل الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لمعظم جيرانها، ما قد تجعلهم هدفًا سهلًا للتنظيم، بالإضافة إلى موقع ليبيا الجيوسياسي، حيث تقع على حافَة منطقة الساحل، ممّا يسمح لتنظيم داعش بالتوسُّع نحو غرب أفريقيا، ومحاولة التحالف مع “بوكو حرام” التي تنشر الرعب في نيجيريا، وفي منطقة بحيرة تشاد، جنوب النيجر وشمال الكاميرون.
آسيا – باكستان :
تعتبر باكستان من أهداف داعش، فالتطوراتِ الأخيرةَ تشير إلى أن الهدف الجديد لمقاتلي داعش القابعين في أفغانستان هو مشروع الصين، والمعروف بـ “طريق الحرير الجديد”، الذي يُرى كأكبرِ خَطِّ مواصلاتٍ وأكبرِ مشروعٍ تجاري في العالم، سوف يربط الصينَ بتركيا وأوروبا وجمهوريات آسيا الوسطى وأفغانستان وباكستان ودولٍ أخرى.
ووِجهة النظر هذه ربما تكون الأقربَ للحقيقة، لا سيّما وأننا إذا نظرنا إلى إستراتيجية الصين في إعادتها لبناء طريق الحرير الجديد؛ لوجدناها تقع ضمن إستراتيجية تنظيم داعش التوسعية بعد هزيمته في كلٍّ من سوريا والعراق، حيث أن إستراتيجية الصين في باكستان الخاصّة بالمشروع قائمةٌ على إنشاء الطريق التجاري من مدينة «كاشغر» غرب الصين، الذي سيمتد حتى ميناء «غوادار» جنوب باكستان على بحر العرب، في إقليم “بلوشستان” القريب من الحدود الإيرانية – الباكستانية، على أن يلتف بعدها إلى «شنجيانغ» الصينية، وهذا سيحقق للصين منفذًا إلى المحيط الهندي والشرق الأوسط، وسيربط المدن الباكستانية بعضَها ببعض.
آسيا – بنجلادش”، و”ميانمار”:
تقع كل من “بنجلادش”، و”ميانمار”، ضمن الممرات البرية الستة التي تُشَكِّل طريقَ الحرير البَرّي، وهذا المَمَرّ يمتد من جنوب الصين إلى الهند، وإذا كان عام 2016م هو العام الذي شهد انضمام “بنجلادش” إلى المشروع الصيني، فإنه أيضًا العام نفسه الذي شهد إعلان داعش بداية الجهاد في أرض “البنغال”، وبالفعل أعلن داعش عن مسئوليته عن عدّة عملياتٍ إرهابية حدثت في بنجلادش، كذلك أيضًا حذّر الكثير من الكُتّاب والمتخصّصين في مكافحة التطرف والسياسيين؛ من أن أحداث العنف غير العادية والإبادة الجماعية والتطهير العِرْقي ضد مسلمي “الروهينجا” في إقليم “أراكان”، تُشَكِّل مُناخًا مساعِدًا ومهيّئًا لظهور تنظيم “داعش” وغيرِه من الجماعات المتطرفة في البلاد.
آسيا – الفلبين وإندونيسيا:
أن هذه الدول التي ذكرها القادة السياسيون في“الفلبين وإندونيسيا”،حيث يسعى تنظيم داعش إلى وضع أقدامه في جنوب شرق آسيا، لا سيّما في الفلبين، فقد شارَك في الفترة الماضية نحو 40 مقاتلًا من مقاتلي داعش، جاءوا في الفترة الأخيرة من مناطق النزاع في الشرق الأوسط، إلى جانب مؤيّدي تنظيم داعش، في عملياتِ قتالٍ ضد قوات الأمن الفلبيني، واجتاحوا مدينة “ماراوي” في جزيرة “مينداناو”، حيث تعاني هذه الجزيرة من انتشار العصابات والمتمردين المحليين والحركات الانفصالية؛ وذلك بسبب الفقر وغياب القانون، والحدودِ غيرِ المُحْكَمَة لجزيرة “مينداناو” التي تقطنها أغلبيةٌ مسلمة.ومن الجدير بالذكر؛ أن حركة “أبو سيّاف” بَثّتْ في عام 2014م، على شبكات التواصل الاجتماعي، فيديو تعلن فيه مبايعتها لتنظيم داعش، كما اجتذبت هذه الحركةُ العديدَ من المقاتلين الأجانب من جنوب شرق آسيا، والشرق الأوسط، وشمال أفريقيا.
أمّا إندونيسيا؛ فيسعى تنظيم داعش، بعد العراق وسوريا وليبيا، إلى إنشاء ذراعٍ آسيوية؛ لبَسْط خلافته المزعومة في إندونيسيا”، فالتفجيراتِ التي ضربت “جاكرتا”، والتي نُسبت إلى تنظيم داعش، عام 2016م، تُثبِت وجودَ تنظيم داعش في المنطقة، فمنذ عدّة أشهرٍ يعمل تنظيم داعش على تجنيد مقاتلين جُدُد في جنوب شرق آسيا، كما أن الزعيم الروحي الإندونيسي للجماعة الإسلامية، “أبا بكر بشير”، “الذي يُمثِّل الجناحَ المُسَلَّح لتنظيم القاعدة في جنوب شرق آسيا، في الفترة من نهاية التسعينيات حتى منتصف الألفيّة الثانية، قد أعلن ولاءه لتنظيم داعش في العام الماضي.
السيناريو الثاني : الانتشار .. الذئاب المنفردة والعملياتٍ إرهابية في أوروبا،نقل المعركة .
يرى بعض الخبراء أن خيار التنظيم هو القيام بعملياتٍ إرهابية في أوروبا، ونقل المعركة الى أوروبا من خلال “العائدون من داعش”.وفي هذا السياق، نقلتْ صحيفة “نيوزويك” وموقع “إي يو إوبزرفر” خبرًا مُفاده؛ أن مفوّض الاتحاد الأوروبي “جوليان كينج” أعرب عن بالغ قلقه قائلًا: “أتوقّع نزوحَ عددٍ قليلٍ من مناطق الصراع إلى أوروبا، إلّا أنّ هذا العدد القليل من العناصر المتطرفة سيُمثِّل خطرًا داهمًا يجب التصدّي له بكلِّ حزمٍ وحسم”.
وبالفعل يُمثِّل العائدون من داعش خوفًا شديدًا لدى حكومات الدول الغربية، ففي ألمانيا قدّرت السلطات الألمانية عددَ مَن ارتحلوا من ألمانيا في السنوات الأخيرة الماضية ، وهذا ما يشغل السلطاتِ الألمانيةَ التي في بادئ الأمر توقّعتْ أن تحدثَ موجةُ رجوعٍ وعودة للمقاتلين الألمان في تنظيم داعش، حال هزيمة التنظيم بالعراق ومدن الشمال السوري.
القلق ذاته من العائدين من داعش موجودٌ عند السلطات الفرنسية؛ فوزير الخارجية الفرنسي “جان-إيف لودريان”، قد تحدّث في وقتٍ سابق عن وجود حوالَي 500 فرنسيٍّ في صفوف التنظيم في سوريا والعراق، ووصَف عودتهم إلى فرنسا بالأمر بالغِ الصعوبة، وأنهم “سوف يقعون في الأسر أو يتبعثرون في أماكنَ أخرى”، واعتبر “لودريان” أنّ تراجُع تنظيم “داعش” في سوريا تمّ بفضل ما قام به التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة و”نظام دمشق مدعومًا من روسيا، ولكن هذا فقط في النهاية”.
أن تَعامُل كلِّ دولةٍ مع المقاتلين العائدين إليها سيُحدِّد إلى أيّ مدى يمكن أنْ يُشَكِّلَ هؤلاء العائدون خطرًا على الدولة، أو عاملًا إضافيًّا يُسهِم في تعزيز فهم الدولة المعنية لفكر هذه الجماعات وكيفية محاربته، ومن ثَمّ فمن المؤكد أنه كلّما امتلكت الدولة برامجَ متقدِّمةً لتأهيل هؤلاء العائدين وتيسير إعادة دمجهم في مجتمعاتهم؛ عَظُمت الاستفادة منهم، وقَلّ ما يُمثِّلونه من خطورة.
السيناريو الثالث: الانتقال إلى حرب العصابات والذوبان في الصحراء، حيث الخبرة في العراق والأرض ا لخِصْبةً لإنشاء معاقلَ جديدةٍ له، فأيٌّ من هذه الدول سيَحُطّ تنظيم داعش رِحالَه فيها؟
إن الانتقال إلى حرب العصابات والذوبان في الصحراء، وهو أمرٌ للتنظيم فيه خبرةٌ في العراق، لكن هذا الأمر سيلجأ إليه فقط مَن لم يستطيعوا من الدواعش العودةَ إلى بلادهم أو الانضمامَ إلى التنظيم في الدول التي ذكرناها عاليًا؛ لذلك يبقى هذا الاحتمال هو أضعف الاحتمالات الثلاثة التي قمنا بسردها وتحليلها في هذا التقرير.
خاتمة :
إن هذه التوقُّعاتِ والسيناريوهات تخضع جميعُها للكثير من العوامل التي قد تجعل من بعضها خياراتٍ صعبةَ التحقُّقِ على أرض الواقع، كما أن تعزيز الجهود الدولية في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف وتعاون الدول استخباراتي وعسكري لا بد وأنْ يَحولَ دون ظهور مثل هذه التنظيمات في أماكنَ جديدةٍ، أو على الأقل يَحُدّ من هذا الأمر.
ومن المؤكد أن إعلان القضاء على داعش ليس نهاية المطاف، ولكنه قد يكون أمرًا مُبَشِّرًا بأنّ تكاتف الجهود الدولية يؤدّي إلى تحقيق نتائجَ ملموسةٍ في سياق القضاء على التطرف، بَيْدَ أنه مع حَصْر هذه الجهود المشتركة في مناطقَ دون أخرى، تظلّ المشكلة قائمة؛ حيث يتسنّى لعناصرِ هذه الجماعات المتطرفة التحوُّل من منطقةٍ إلى أخرى، وعندئذٍ لا يعدو الأمرُ سوى أننا نقضي عليهم في جهةٍ، لنسمحَ لهم أنْ يُطِلّوا برأسهم من جهةٍ أخرى.
كذلك يجب إنهاء الصراعات الداخلية داخل بعض الدول وخلْق مُناخِ استقرارٍ قائم على تغليب أُسس المواطنة والحرية والمساواة بين جميع أبناء الشعب الواحد، وكذلك يجب على جميع حكومات الدول الفقيرة أن تسعى بكل جهدها وبمساعدة العالم المتمدّن إلى حلّ أزماتها الاقتصادية، وخصوصًا مشكلة البطالة التي تُستغلّ كثيرًا في استقطاب الشباب، وكذلك يجب الاهتمام بقضية التعليم ورفع الوعي لدى المواطنين وخصوصًا الوعي الديني، فقد أثبتت الكثير من الدراسات أن الشباب المتديّن بحقٍّ والواعيَ جيّدًا لتعاليم دينه أقلُّ عُرْضَةً للاستقطاب من الشباب غير الواعي لتعاليم دينه ومبادئه السمحة.
باختصارٍ؛ يجب على كلّ دولةٍ في العالم أن تسعى لتجفيف منابع العنف والإرهاب بداخلها، وأن تُغلِقَ جميع الطرق التي يمكن أن تتسلل منها التنظيمات الإرهابية إلى عقول الشباب، وكذلك من المهم للغاية القضاء على أيديولوجيات هذه الجماعات وأفكارها المتشددة، بحيث نُحَصِّن الشبابَ من الوقوع في بَراثنها، بل وحمْلهم على الوقوف صفًّا واحدًا في مواجهتها.